واحد من الأمثال المتداولة بتلمسان ، و قيل في سببه أنّ امرأةً لم يكن لها إلا أخٌ، تَغرَّب عنها إلى
الصحراء، ثم انقطعت أخباره عنها، فاهتمّت لغيبته و اغتمّت، و أصابها من الحزن ما أصابها، و مع كل
هذا لم تقطع حِبال آمالها بأوْبته، وكانت كلما سمعت بِمَقْدَمِ قادمٍ من الصحراء هبَّت إليه صارخة متلهفة
مستنجدة: أخي، أخي ! غير ناظرةٍ إلى وَصْفِهِ و فصله أو أصله ، فكثر خطئها ، حتّى قيل لها : أَكُلُّ
مَن جاء مِن الصحراء أخوك يا زهراء ؟ ! .
وحالُ بعضِ الأُمّة حالِ زهراء.
أمَّتي اليوم كزهراء التي غاب أخوها في الصحراء ، كلما سمعت بقائلٍ يقول: أنا
الذي أصنع لكِ مجدا، أنا الذي أبني لكِ عزًّا، أنا الذي أعيدُ لكِ أيّامك الخوالي، تجري لاهثةً خلفهُ ، غير ناظرةٍ
إلى صِدْقِ دعواه، غير آبهةٍ لنصائحِ عقلاء القومِ بالتريثِ و التبصُّرِ، فهي لا تعرفُ إِن كان يريدُ أن يُشَيِّدَ لنفسه
عِزًا أو لها
يا زهراء! استبيني وصف أخيكِ، فليس كل من جاء من الصحراء أخوكِ يا زهراء .
ويا زهراء! أخوكِ عليه شامةٌ، معروفةٌ عنه بصحيح الآثار و السننِ.
ويا زهراء! اتّق الله، فأنتِ ذاتُ عزٍ وقدرٍ، و الطامعون بك كثير، فكُونِي على حذر.
ويا زهراء! ما نحنُ مُعاتِبوكِ إلاَّ خوفًا عليكِ، فما أدرانا إن كان القادمُ قائما على
قَدَمِ صِدْقٍ أو على غيرها، و نعلمُ أنَّكِ ما أردتِ إلاَّ خَيرا، لكنْ كم مِن مُريدٍ للخير لا يبلغه؟
أمّتي ُ ! إيّاك من اثنتين كانتا في زهراء: سذاجة و عجلة.
أمّتي ! الوعدُ حقيقةٌ ليسَ بسرابٍ، نصرُ اللهِ و تمكينُه آتٍ لا مِرْيَةَ فِيهِ، و واقعٌ ما له من
دافعٌ، فهناك من يعمل عمل الآخرة للدنيا ، كثيرون يدعون إلى لله وهم في حقيقة الأمر يدعون لأنفسهم ،
فتأملي أمتي ولا تسيري وراء كل متحدث ، يتكلم عن النصر والتمكين .
و إن قام فيهِم عبدُ اللهِ يدعوهُم إلى الهُدى و الرشاد رَمَوْهُ بأشنعِ اثنتينِ و احتكموا إليهِما، أمّا أُولاهُما
فهي " إن لم تكُن معنا فأنت معهم".
سبحان ربِّي ! " أفنجعلُ المسلمين كالمجرمين . مالكم كيف تحكمون"[ القلم : 35ـ 36 ]
فمتى كان تقويمُ المسيرِ و النصحُ للأمَّة مظاهرةً لأهلِ الكفرِ ؟!!!
أمَّتي ! أوبة إلى دين الله قبل أن ينادي المنادي من مكان قريب.
أُمَّتيُ ! لا تُنَادِي على كُلِّ مَن هَبَّ وَ دَرَج، و لا تكُوني كزهراء، بَل كُوني كالحجرِ
و الشجرِ اللذان أنطقهما الله عَونًا لعبادِه المؤمنين، فيُناديان: يا مسلم ! يا عبد الله!
يناديان على من أسلم وجهه لله حنيفا مسلما ولم يك من المشركين .
أُمَّتي ! مفاتيحُ عِزُّكِ في أمرين: الكتاب والسنة ، فلا تكوني:
كالعِيسِ في البيداءِ يقتُلها الظما و الماء فوق ظهرها محمول.
أمتي ! الفجر فجران، فلا تغُرنَّك بُرقة الفجر الكاذب، و لا يغوينَّك الساطع المُصعد، لكنْ مهلاً حتَّى ينفجرَ الفجرُ الصادقُ و قرّي عينا.
أكلُّ من جاء من الصحراء أخوك يا زهراء ؟! حتّى و لو بأيِّ وصفٍ كان ؟!